الإعلام الموريتاني بين الموضوعية والاستهداف / محمد ولد عمار

كيفه أون لاين / في غمرة التحولات العميقة التي تعيشها موريتانيا، يظلّ الإعلام أحد أهم دعائم المجتمع، بل صمام أمانه ومرآة ضميره. غير أن هذا الإعلام، بكل ما يحمله من تاريخ كفاحي وتجارب مهنية، يجد نفسه اليوم في منعطف طرق حاسم: بين طريق الموضوعية الصعبة، التي تتطلب النزاهة والتجرد من الأهواء، وبين طريق الغاية، حيث تصبح الأقلام أدوات في معارك لا تخدم إلا المصالح الضيقة والأجندات الخفية.
ما من شك أن الإعلام الموريتاني لعب أدوارًا مشهودة في مراحل حساسة من تاريخ البلاد، من مقارعة الاستبداد، إلى التبصير بحقوق المواطن، إلى فتح المجال للتعددية السياسية والثقافية. لقد كان الإعلام الوطني ولا يزال صوتًا للفقراء، وملجأً لمن لا صوت لهم. لكن مع تسارع الأحداث وتعقد المشهد السياسي والاجتماعي، بدأت تتسلل إلى بعض المنابر نزعات التوجيه والانحياز، أحيانًا تحت ضغط الحاجة، وأحيانًا بفعل الاصطفاف السياسي أو الطموح الشخصي.
أن تكون موضوعيًا في موريتانيا اليوم، لا يعني أن تكون محايدًا باردًا، بل يعني أن تكون أمينًا مع الحقيقة، ملتزمًا بأخلاقيات المهنة، متجردًا من النزعات القبلية أو الإيديولوجية أو المصالحية. الموضوعية ليست ترفًا بل هي واجب وطني. الإعلام الموضوعي هو الذي يواكب المواطن بحقائق الأمور، ويعري الفساد دون انتقائية، ويعلي من قيمة التحليل بدل الإثارة، ويبحث عن المعلومة لا عن الضوضاء.
لكن، من المؤسف أن نرى بعض المنصات و الوسائط الإعلامية وقد تحولت إلى أدوات في يد أطراف، لا تنشر إلا ما يخدمها، ولا تهاجم إلا خصومها. يُغَيَّبُ المواطن عن الصورة، وتُحتقرُ عقول الجمهور، وتُباع الحقيقة في سوق المزايدات.
أسوأ ما قد يحدث في المشهد الإعلامي، أن يتحول الصحفي من ناقل للحقيقة إلى أداة في تصفية الحسابات. حين يستهدف الإعلام أشخاصًا أو مؤسسات بلا بيّنة، أو حين يتجاهل المعايير المهنية في التثبت والتوازن، فإنه يهدم لا يبني، ويزرع الفتنة لا الوعي.
لقد بات من المعتاد أن نرى تقارير صحفية تعتمد على الشائعات، أو تُفبرك العناوين لجلب الانتباه، أو تستغل الأزمات الوطنية لتسجيل نقاط سياسية أو تجارية. وهذا لا يخدم أحدًا، بل يُفقد الجمهور ثقته في الإعلام، ويضعف الديمقراطية، ويهدد السلم الاجتماعي.
نريد إعلامًا وطنيًا لا يساوم في القيم، لا ينجر وراء التحريض، لا يخضع للابتزاز، ولا يسقط في الاسترزاق. نريد صحفيين يرفعون راية الحقيقة، لا يركضون خلف الترندات الفارغة. نريد مدارس إعلامية تعلّم الأجيال القادمة أن الكلمة أمانة، وأن الميكروفون سلاح بناء لا هدم.
نعم، التحديات كثيرة، من ضعف التمويل، إلى التضييق، إلى هشاشة التكوين. لكن المسؤولية لا تعني فقط السلطات، بل تعني الصحفي أولًا. فالإعلام النزيه لا يُمنح، بل يُنتزع، لا يُشترى، بل يُبنى بالصبر والصدق والكفاح.
إن الإعلام المهني مدعو اليوم إلى مراجعة الذات، وإلى إعادة بناء الثقة بينه وبين جمهوره. إنها لحظة الحقيقة: هل نريد إعلامًا يعكس صوت الوطن، أم نرضى أن يتحول إعلامنا إلى صدى لأجندات الآخرين؟
إن مسؤوليتنا، كصحفيين وكمواطنين، أن نعيد للكلمة بريقها، وللحقيقة هيبتها، وللإعلام رسالته السامية.
محمد ولد عمار _ مرآة الوطن
زر الذهاب إلى الأعلى